فصل: تفسير الآيات (31- 32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (30):

{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)}
{يَا نسَاء النبى} تلوين للخطاب وتوجيه له إليهن لإظهار الاعتناء بنصحهن ونداؤهن هاهنا وفيما بعد بالإضافة إليه عليه الصلاة والسلام لأنها التي يدور عليها ما يرد عليهن من الأحكام، واعتبار كونهن نساء في الموضعين أبلغ من اعتبار كونهن أزواجًا كما لا يخفى على المتأمل {مَن يَأْتِ} بالياء التحتية حملًا على لفظ {مِنْ}، وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما. والجحدري. وعمرو بن قائد الأسواري ويعقوب بالتاء الفوقية حملًا على معناها {مِنكُنَّ بفاحشة} بكبيرة {مُّبَيّنَةٍ} ظاهرة القبح من بين عنى تبين، وقرأ ابن كثير. وأبو بكر مبينة بفتح الياء والمراد بها على ما قيل: كل ما يقترف من الكبائر، وأخرج البيهقي في السنن عن مقاتل بن سليمان أنها العصيان للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: ذلك وطلبهن ما يشق عليه عليه الصلاة والسلام أو ما يضيق به ذرعه ويغتم صلى الله عليه وسلم لأجله.
ومنع في البحر أن يراد بها الزنا قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من ارتكاب نسائه ذلك ولأنه وصفت الفاحشة بالتبين والزنا مما يتستر به ومقتضاه منع إرادة الأعم ثم قال: وينبغي أن تحمل الفاحشة على عقوق الزوج وفساد عشرته، ولا يخلو كلامه عن بحث والإمام فسرها به، وجعل الشرطية من قبيل {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] من حيث أن ذلك ممكن الوقوع في أول النظر ولا يقع جزمًا فإن الأنبياء صان الله تعالى زوجاتهم عن ذلك، وقد تقدم بعض الكلام في هذه المسألة في سورة النور وسيأتي إن شاء الله تعالى طرف مما يتعلق بهما أيضًا {يُضَاعَفْ لَهَا العذاب} يوم القيامة على ما روي عن مقاتل أو فيه، وفي الدنيا على ما روي عن قتادة {ضِعْفَيْنِ} أي يعذبن ضعفي عذاب غيرهن أي مثليه فإن مكث غيرهن ممن أتى بفاحشة مبينة في النار يومًا مثلًا مكثن هن لو أتين ثل ما أتى يومين، وإن وجب على غيرهن حد لفاحشة وجب عليهن لو أتين ثلها حدان، وقال أبو عمرو. وأبو عبيدة فيما حكى الطبري عنهما الضعفان أن يجعل الواحدة ثلاثة فيكون عليهن ثلاثة حدود أو ثلاثة أمثال عذاب غيرهن، وليس بذاك، وسبب تضعيف العذاب أن الذنب منهن أقبح فإن زيادة قبحه تابعة لزيادة فضل المذنب والنعمة عليه وتلك ظاهرة فيهن ولذلك جعل حد الحر ضعف حد الرقيق وعوتب الأنبياء عليهم السلام بما لا يعاتب به الأمم وكذا حال العالم بالنسبة إلى الجاهل فليس من يعلم كمن لا يعلم، وروي عن زين العابدين رضي الله تعالى عنه أنه قال له رجل: إنكم أهل بيت مغفور لكم فغضب وقال: نحن أحرى أن يجري فينا ما أجرى الله تعالى في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أن نكون كما تقول إنا نرى لمحسننا ضعفين من الأجر ولمسيئتنا ضعفين من العذاب وقرأ هذه الآية والتي تليها، وقرأ الحسن.
وعيسى. وأبو عمرو {يضاعف} بالياء التحتية مبنيًا للمفعول بلا ألف والجحدري. وابن كثير. وابن عامر {نضعف} بالنون مبنيًا للفاعل بلا ألف أيضًا وزيد بن علي. وابن محيصن. وخارجة عن أبي عمرو {نضاعف} بالنون والألف والبناء للفاعل وفرقة {والله يضاعف} بالياء والألف والبناء للفاعل، وقرأ {العذاب} بالرفع من قرأ بالبناء للمفعول وبالنصب من قرأ بالبناء للفاعل {وَكَانَ ذلك} أي تضعيف العذاب عليهن {عَلَى الله يَسِيرًا} أي سهلًا لا يمنعه جل شأنه عنه كونهن نساء النبي صلى الله عليه وسلم بل هو سبب له.

.تفسير الآيات (31- 32):

{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)}
{وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ} أي ومن تخشع وتخضع {للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ} عملًا {صالحا} كصلاة وصوم وحج وإيتاء زكاة وهذا العمل غير القنوت لله تعالى على ما سمعت من تفسيره فلا تكرار، وفسره بعضهم بالطاعة ودفع التكرار بأن المراد {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ} لرسول الله {وَتَعْمَلْ صالحا} لله تعالى، وذكر الله إنما هو لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بجعل طاعته غير منفكة عن طاعة الله عز وجل، وبعضهم بما ذكر أيضًا إلا أنه دفع التكرار بأن المراد بالعمل الصالح الخدمة الحسنة والقيام صالح البيت لا نحو الصلاة والصيام وبالطاعة المفسر بها القنوت امتثالًا الأوامر واجتناب النواهي، وفسره بعضهم بدوام الطاعة فقيل في دفع التكرار نحو ما مر، وقيل: المراد به الدوام على الطاعة السابقة وبالعمل الصالح العبادات التي يكلفن بها بعد.
وقيل: القنوت السكوت كما قيل ذلك في قوله تعالى: {وَقُومُواْ لِلَّهِ قانتين} [البقرة: 238] والمراد به هاهنا السكوت عن طلب ما لم يأذن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لهن به من زيادة النفقة وثياب الزينة، وقيل غير ذلك.
{نُؤْتِهَا أَجْرَهَا} الذي تستحقه على ذلك فضلًا وكرمًا {مَّرَّتَيْنِ} فيكون أجرها مضاعفًا وهذا في مقابلة يضاعف لها العذاب ضعفين.
أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس أنه قال في حاصل معنى الآيتين: إنه من عصى منكن فإنه يكون العذاب عليها الضعف منه على سائر نساء المؤمنين ومن عمل صالحًا فإن الأجر لها الضعف على سائر نساء المسلمين، ويستدعي هذا أنه إذا أثيب نساء المسلمين على الحسنة بعشر أمثالها اثبن هن على الحسنة بعشرين مثلًا لها وإن زيد للنساء على العشر شيء زيد لهن ضعفه، وكأنه والله تعالى أعلم إنما قيل {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} دون يضاعف لها الأجر كما قيل في المقابل {يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] لأن أصل تضعيف الأجر ليس من خواصهن بل كل من عمل صالحًا من النساء والرجال من هذه الأمة يضاعف أجره فأخرج الكلام مغايرًا لما تقتضيه المقابلة رمزًا إلى أن تضعيف الأجر على طرز مغاير لطرز تضعيف العذاب مع تضمن الكلام المذكور الإشارة إلى مزيد تكريمهن ووفور الاعتناء بهن فإن الإحسان المكرر أحلى، ومن تأمل في الجملتين ظهر له تغليب جانب الرحمة على جانب الغضب وكفى بالتصريح بفاعل إيتاء الأجر وجعله ضمير العظمة والتعبير عما يؤتون من النعيم بالأجر مع إضافته إلى ضميرهن مع خلو جملة تضعيف العذاب عن مثل ذلك شهداء على ما ذكر، ثم إن تضعيف أجرهن لمزيد كرامتهن رضي الله تعالى عنهن على الله عز وجل مما من به عليهن من النسبة إلى خير البرية عليه من الله تعالى أفضل الصلاة وأكمل التحية، والظاهر أن ذلك ليس بالنسبة إلى أعمالهن الصالحة التي عملنها في حياتها صلى الله عليه وسلم فقط بل يضاعف أجرهن عليها وعلى الأعمال الصالحة التي يعلمنها بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.
وقال بعض الأجلة: إن هاتين المرتين إحداهما على الطاعة والأخرى على طلبهن رضاء النبي صلى الله عليه وسلم بالقناعة وحسن المعاشرة، وجعل في البحر وغيره سبب التضعيف هذا الطلب وتلك الطاعة، ولا يخفى أن ما ذكروه موهم لعدم التضعيف بالنسبة لما فعلوه من العمل الصالح بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وقال بعض المدققين: أراد من جعل سبب مضاعفة أجورهن ما ذكر التطبيق على لفظ الآية حيث جعل القنوت لله ولرسوله مع ما تلاه سببًا ويدمج فيه أن مضاعفة العذاب إنما نشأت من أن النشوز مع الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب ما يشق عليه ليس كالنشوز مع سائر الأزواج ولذلك اقتضى مضاعفة العذاب وكذلك طاعته وحسن التخلق معه والمعاشرة على عكس ذلك فهذا يؤكد ما قالوا من أن سبب تضعيف العذاب زيادة قبح الذنب منهن وفيه أن العكس يوجب العكس فتأمل.
وقال بعض المفسرين: العذاب الذي توعد به ضعفين هو عذاب الدنيا ثم عذاب الآخرة وكذلك الأجر فالمرتان إحداهما في الدنيا وثانيتهما في الأخرى، ولا يخفى ضعفه. وقرأ الجحدري. والأسواري. ويعقوب في رواية. وكذا ابن عامر {وَمِنْ} بتاء التأنيث حملًا على المعنى. وقرأ السلمي. وابن وثاب. وحمزة. والكسائي بياء من تحت في الأفعال الثلاثة على أن في {يؤتها} ضمير اسم الله تعالى، وذكر أبو البقاء أن بعضهم قرأ {وَمِنْ} بالتاء من فوق حملًا على المعنى {بالله وَيَعْمَلْ} بالياء من تحت حملًا على اللفظ فقال بعض النحويين: هذا ضعيف لأن التذكير أصلًا فلا يجعل تبعًا للتأنيث وما عللوه به قد جاء مثله في القرآن وهو قوله تعالى: {خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أزواجنا} [الأنعام: 139] انتهى فتذكر {وَأَعْتَدْنَا لَهَا} في الجنة زيادة على أجرها المضاعف {رِزْقًا كَرِيمًا} عظيم القدر رفيع الخطر مرضيًا لصاحبه، وقيل الرزق الكريم ما يسلم من كل آفة.
وجوز ابن عطية أن يكون في ذلك وعد دنياوي أي أن رزقها في الدنيا على الله تعالى وهو كريم من حيث هو حلال وقصد برضا من الله تعالى في نيله، وهو كما ترى {يانساء النبى لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النساء} ذهب جمع من الرجال إلى أن المعنى ليس كل واحدة منكن كشخص واحد من النساء أي من نساء عصركن أي أن كل واحدة منكن أفضل من كل واحدة منهن لما امتازت بشرف الزوجية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأمومة المؤمنين فأحد باق على كونه وصف مذكر إلا أن موصوفه محذوف ولابد من اعتبار الحذف في جانب المشبه كما أشير إليه، وقال الزمخشري: أحد في الأصول عنى وحد وهو الواحد ثم وضع في النفي العام مستويًا فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراءه، والمعنى لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء أي إذا تقصيت أمة النساء جماعة جماعة لم يوجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل والسابقة، وقد استعمل عنى المتعدد أيضًا في قوله تعالى: {وَلَمْ يُفَرّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ} [النساء: 251] لمكان {بَيْنَ} المقتضية للدخول على متعدد وحمل أحد على الجماعة على ما في الكشف ليطابق المشبه، والمعنى على تفضيل نساء النبي صلى الله عليه وسلم على نساء غيره لا النظر إلى تفضيل واحدة على واحدة من آحاد النساء فإن ذلك ليس مقصودًا من هذا السياق ولا يعطيه ظاهر اللفظ.
وكون ذلك أبلغ لما يلزم عليه تفضيل جماعتهن على كل جماعة ولا يلزم ذلك تفضيل كل واحدة على كل واحدة من آحاد النساء لو سلم لكان إذا ساعده اللفظ والمقام، واعترضه أيضًا بعضهم بأنه يلزم عليه أن يكون كل واحدة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من فاطمة رضي الله تعالى عنها مع أنه ليس كذلك.
وأجيب عن هذا بأنه لا مانع من التزامه إلا أنه يلتزم كون الأفضلية من حيث أمومة المؤمنين والزوجية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا من سائر الحيثيات فلا يضر فيه كون فاطمة رضي الله تعالى عنها أفضل من كل واحدة منهن لبعض الحيثيات الأخر بل هي من بعض الحيثيات كحيثية البضعية أفضل من كل من الخلفاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، نعم أورد على ما في الكشاف أن أحد الموضوع في النفي العام همزته أصلية غير منقلبة عن الواحد وقد نص على ذلك أبو علي، وخالف فيه الرضي فنقل عنه أن همزة أحد في كل مكان بدل من الواو، والمشهور التفرقة بين الواقع في النفي العام والواقع في الإثبات بأن همزة الأول أصلية وهمزة الثاني منقلبة عن الواو. وفي العقد المنظوم في ألفاظ العموم للفاضل القرافي قد أشكل هذا على كثير من الفضلاء لأن اللفظين صورتهما واحدة ومعنى الوحدة يتناولهما والواو فيها أصلية فيلزم قطعًا انقلاب ألف أحد مطلقًا عنها وجعل ألف أحدهما منقلبًا دون ألف الآخر حكم، وقد أطلعني الله تعالى على جوابه وهو أن أحد الذي لا يستعمل إلا في النفي معناه إنسان بإجماع أهل اللغة وأحد الذي يستعمل في الإثبات معناه الفرد من العدد فإذا تغاير مسماهما تغاير اشتقاقهما لأنه لابد فيه من المناسبة بين اللفظ والمعنى ولا يكفي فيه أحدهما، فإذا كان المقصود به الإنسان فهو الذي لا يستعمل إلا في النفي وهمزته أصلية، وإن قصد به العدد ونصف الإثنين فهو الصالح للإثبات والنفي وألفه منقلبة عن واو اه، ولا يخفى أنه إذا سلم الفرق المذكور ينبغي أن تكون الهمزة هنا أصلية، وإلى أن همزة الواقع في النفي أصلية ذهب أبو حيان فقال: إن ما ذكره الزمخشري من قوله: ثم وضع في النفي العام إلخ غير صحيح لأن الذي يستعمل في النفي العام مدلوله غير مدلول واحد لأن واحدًا ينطلق على كل شيء اتصف بالوحدة وأحد المستعمل في النفي العام مخصوص بمن يعقل وذكر النحويون أن مادته همزة وحال ودال ومادة أحد عنى واحد أصله واو وحاء ودال فقد اختلفا مادة ومدلولًا.
وذكر أن ما في قوله تعالى: {لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ} [البقرة: 285] يحتمل أن يكون الذي للنفي العام ويحتمل أن يكون عنى واحد، ويكون قد حذف معطوف أي بين واحد وواحد من رسله كما قال الشاعر:
فما كان بين الخير لو جاء سالما ** أبو حجر إلا ليال قلائل

وقال الراغب: أحد يستعمل على ضربين في النفي لاستغراق جنس الناطقين، ويتناول القليل والكثير على الاجتماع والانفراد نحو ما في الدار أحد أي لا واحد ولا إثنان فصاعدًا لا مجتمعين ولا مفترقين، وهذا المعنى لا يمكن في الإثبات لأن نفي المتضادين يصح، ولا يصح إثباتهما، فلو قيل في الدار أحد لكان إثبات أحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين ومتفرقين وهو بين الإحالة ولتناوله ما فوق الواحد صح نحو {فَمَا مِنكُم مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجزين} [الحاقة: 47] وفي الإثبات على ثلاثة أوجه، استعماله في الواحد المضموم إلى العشرات كأحد عشر وأحد وعشرين، واستعماله مضافًا أو مضافًا إليه عنى الأول نحو {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى} [يوسف: 41] وقولهم يوم الأحد، واستعماله وصفًا وهذا لا يصح إلا في وصفه تعالى شأنه، أما أصله أعني وحد فقد يستعمل في غيره سبحانه كقول النابغة:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا ** بذي الجليل على مستأنس وحد

انتهى.
وهو محتمل لدعوى انقلاب همزته عن واو مطلقًا ولدعوى انقلابها عنها في الاستعمال الأخير.
ولا يخفى على المنصف أن يكون المعنى في الآية ما ذكره الزمخشري أظهر، وتفضيل كل واحدة من نسائه صلى الله عليه وسلم على كل واحدة واحدة من سائر النساء لا يلزم أن يكون لهذه الآية بل هو لدليل آخر إما عقلي أو نص مثل قوله تعالى: {وأزواجه أمهاتهم} [الأحزاب: 6] وقيل يجوز أن يكون ذلك لها فإنها تفيد بحسب عرف الاستعمال تفضيل كل منهن على سائر النساء لأن فضل الجماعة على الجماعة يكون غالبًا لفضل كل منها.
{إِنِ اتقيتن} شرط لنفي المثلية وفضلهن على النساء وجوابه محذوف دل عليه المذكور والاتقاء عناه المعروف في لسان الشرع، والمفعول محذوف أي إن اتقيتن مخالفة حكم الله تعالى ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم، والمراد إن دمتن على اتقاء ذلك ومثله شائع أو هو على ظاهره والمراد به التهييج بجعل طلب الدنيا والميل إلى ما تميل إليه النساء لبعده من مقامهن نزلة الخروج من التقوى أو شرط جوابه قوله تعالى: {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول} والاتقاء عناه الشرعي أيضًا، وفي البحر أنه عنى الاستقبال أي إن استقبلتن أحدًا فلا تخضعن، وهو بهذا المعنى معروف في اللغة قال النابغة:
سقط النصيف ولم ترد إسفاطه ** فتناولته واتقتنا باليد

أي استقبلتنا باليد، ويكون هذا المعنى أبلغ في مدحهن إذ لم يعلق فضلهن على التقوى ولا علق نهيهن عن الخضوع بها إذ هن متقيات لله تعالى في أنفسهن، والتعليق يقتضي ظاهره أنهن لسن متحليات بالتقوى، وفيه إن اتقى عنى استقبل وإن كان صحيحًا لغة، وقد ورد في القرآن كثيرًا كقوله تعالى: {أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوء العذاب} [الزمر: 24] إلا أنه لا يتأتى هاهنا لأنه لا يستعمل في ذلك المعنى إلا مع المتعلق الذي تحصل به الوقاية، كقوله سبحانه: {بِوَجْهِهِ} وقول النابغة باليد وما استدل به أمره سهل، وظاهر عبارة الكشاف اختيار كون {إِنِ اتقيتن} شرطًا جوابه فلا تخضعن، وفسر {إِنِ اتقيتن} بأن أردتن التقوى وإن كنتن متقيات مشيرًا بذلك إلى أنه لابد من تجوز في الكلام لأن الواقع أن المخاطبات متقيات فأما أن يكون المقصود الأولى المبالغة في النهي فيفسر بأن أردتن التقوى، وإما أن يكون المقصود التهييج والإلهاب، فيفسر بأن كنتن متقيات فليس في ذلك جمع بين الحقيقة والمجاز كما توهم، وقد قرر ذلك في الكشف، ومعنى لا تخضعن بالقول لا تجبن بقولكن خاضعًا أي لينا خنثا على سنن كلام المريبات والمومسات، وحاصله لا تلن الكلام ولا ترققنه، وهذا على ما قيل في غير مخاطبة الزوج ونحوه كمخاطبة الأجانب وإن كن محرمات عليهم على التأبيد.
روى عن بعض أمهات المؤمنين أنها كانت تضع يدها على فمها إذا كلمت أجنبيًا تغير صوتها بذلك خوفًا من أن يسمع رخيمًا لينًا، وعد إغلاظ القول لغير الزوج من جملة محاسن خصال النساء جاهلية وإسلامًا، كما عد منها بخلهن بالمال وجبنهن، وما وقع في الشعر من مدح العشيقة برخامة الصوت وحسن الحديث ولين الكلام فمن باب السفه كما لا يخفى. وعن الحسن أن المعنى لا تكلمن بالرفث، وهو كما ترى {فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي فجور وزنا، وبذلك فسره ابن عباس وأنشد قول الأعشى:
حافظ للفرج راض بالتقى ** ليس ممن قلبه فيه مرض

والمراد نية أو شهوة فجور وزنا، وعن قتادة تفسيره بالنفاق، وأخرج ابن المنذر.
وابن أبي حاتم عن زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما، أنه قال: المرض مرضان فمرض زنا ومرض نفاق، ونصب {يَطْمَعُ} في جواب النهي. وقرأ أبان بن عثمان. وابن هرمز {فَيَطْمَعَ} بالجزم وكسر العين لالتقاء الساكنين وهو عطف على محل فعل النهي على أنه نهي لمريض القلب عن الطمع عقيب نهيهن عن الخضوع بالقول كأنه قيل؛ فلا تخضعن بالقول فلا يطمع الذي في قلبه مرض، وقال أبو عمرو الداني؛ قرأ الأعرج. وعيسى {فَيَطْمَعَ} بفتح الياء وكسر الميم، ونقلها ابن خالويه عن أبي السمال. قال: وقد روى ذلك عن ابن محيصن، وذكر أن الأعرج وهو ابن هرمز قرأ {فَيَطْمَعَ} بضم الياء وفتح العين وكسر الميم أي فيطمع هو أي الخضوع بالقول، و{الذى} مفعول أو الذي فاعل والمفعول محذوف أي فيطمع الذي في قلبه مرض نفسه {وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} حسنًا بعيدًا عن الريبة غير مطمع لأحد، وقال الكلبي: أي صحيحًا بلا هجر ولا تمريض، وقال الضحاك: عنيفًا، وقيل: أي قولًا أذن لكم فيه، وقيل: ذكر الله تعالى وما يحتاج إليه من الكلام.